أمــك ... وأبــوك
قصة أبكتني فهل تبكيك
ضاقصدر يحيى أصغر أفراد أسرته من إلحاح أمه التي تجاوزت الثانية والثمانين من العمرفقد كانت تسأل عن كل أمر عدة مرات ، وفي أحد الأيام وبينما هما يتنــاولان الطعام ،وإذا بصوت غريب يصدر قرب النافذة المفتوحة فقالت الأم : ما هذا الصوت ؟
قاليحيى : إنه صوت غراب!
قالت الأم: لم أفهم! ماذا قلت؟
إنه غراب ياأمي! قلت لك إنه غراب!
لم أسمعك جيداً! ما هذا الصوت؟
كاد يحيى ينفجروهو يقول بضيق: كم مرة سأضطر للجواب! إنه غراب .. غراااااب ...
بصعوبة أشارتالأم بيدها إلى مصنف قديم في خزانة الكتب .. وطلبت من ابنها أن يعطيها إياه! فأحضرهبضجر وخصوصاً أن الغبار يعلوه! قائلاً: هل هو من مصنفات المرحوم أبي ...
تجولت أصابع الأم المرتعشة بين الأوراق ... إلى أن استقرت عند صفحة مافأخذت تتأملها من خلال نظارتها السميكة ... ثم قالت بصوت خافت: أقرأ .... يا بني ....
نظر يحيى إلى المصنف فوجد كتابة قديمة تعلوه وتذكر أنه يضم أحلىالذكريات، إن عمر هذا المصنف يقارب عمر يحيى أي أربعين عاماً تقريباً.
بدأالابن يقرأ : اليوم أكمل ابننا يحيى سنته الرابعة وها هو يمرح ويركض في الحديقة هناوهناك وبينما كنا نحتفل به حصل أمر غريب إذ حام غراب في طرف الحديقة وصار يصدر بعضالأصوات.... فسألني ابني ما هذا الصوت؟ فقلت له إنه غراب فعاد وسألني نفس السؤالثلاث عشرة مرة ثم انتقل إلى أبيه فسأله نفس السؤال خمس عشرة مرة .. وكلما قلنا لهإنه صوت غراب عاد فكرر السؤال وكأنه لم يسألنا من قبل ... وكنا نحضنه ونقبلهوسرورنا لا يوصف ..
لقد كنا سعداء جداً في ذلك اليوم وتمت سعادتنا بتلكالأسئلة التي صار يحيى يصر على إعادتها ... إنها مسؤوليتنا أن نجيب على كل سؤاليطرحه أولادنا ولو كرروه مئات المرات ...
ارتجف يحيى من رأسه إلى قدميه ونظرإلى أمه فلم ير وجهها الذي غطته بيديها …
لم يستطع أن يتكلم فقد خنقتهدموعه .. ولم ير أمامه إلا لوحة كبيرة كتب عليها قول الله تعالى:
(( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ َتَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًاإِمَّا يَبْلُغَن عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُللَّهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ّ وَاخْفِضْلَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَة وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَارَبَّيَانِي صَغِيرًا(( ... صدق الله العظيم